الثلاثاء، ١٠ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

الحفلة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحفلة

كان يبدو فاتناً بحق في تلك الليلة وكان ذلك أمراً طبيعياً مقارنة بالمجهود الذي بذله في سبيل أن يبدو بهذا الشكل ، كان يعرف أنه يبدو فاتناً فقد وقف يتأمل نفسه لأكثر من ساعة أمام المرآة قبل حضوره ، شاربه المهذب يزيد ابتسامته سحراً وتألقاً كما أن أطنان " الجل " التي دهن بها شعره قد آتت أُكُلها وجعلت شعره الأكرت يكتسب رونقاً ولمعاناً محبباً عند انعكاس الأضواء الخافتة للمكان عليه.
كانت هذه أول حفلة يحضرها منذ مجيئه إلى المهجر لذلك فقد هيأ نفسه جيداً من أجل هذه الحفلة وبدأ يستعد منذ أن تلقى الدعوة من زميلة في العمل "مارك" قبل أسبوع تقريباً ، ولأنه أراد أن يكون مبهراً تلك الليلة كونها أول مناسبة اجتماعية يحضرها في مجتمعه الجديد فقد حرص على أن لا تفارق الابتسامة مُحياه منذ أن دلف إلى المكان وكان "مارك " لطيفاً عندما استقبله بوجه بشوش وبدأ يعرفه على بعض الحضور فأخذ يمازح هذا ويجامل تلك ويتقبل مجاملاتهم ومزاحهم الخفيفة بابتسامة جذابة وخلال هذا الوقت اضطر " مارك " لاستئذانه لأن هناك ضيوفاً حضروا للتو وعليه أن يكون في استقبالهم ولكنه لم ينس أن يرشده إلى مكان البار وأن يخبره بأن لا يشعر بالحرج وأن يعتبر البيت بيته ، شكر " مارك "على لطفه وكرمه ثم استأذن من محدثيه واتجه إلى البار ليطلب بعض الشراب.
أثناء جلوسه على أحد الكراسي العالية أمام البار بانتظار تحضير طلبه حانت منه التفاته إلى الزاوية اليمنى من طاولة البار ليراها هناك ، بهية متألقة بشعرها الأسود البهيم المنسدل على كتفيها والذي جعلها تبدو كشيء خارق للمألوف في ذلك المكان المزدحم بالشقراوات ، بشرتها المائلة للسمرة وعيناها السوداوان المشاغبتان جعلت قلبه يرقص بين ضلوعه وشعر به كأنه يريد القفز من مكانه ليستقر بين يديها ، كان شعوراً غريباً وطاغياً لم يألفه قبلاً .
" عربية هي قطعاً " قالها محدثاً نفسه.

لم يكن يفصله عنها سوى بضعة مقاعد خالية وكانت تتهامس مع صديقة لها وكلاهما تنظران إليه وتضحكان بصوت خافت..

" هي معجبة إذاً " رددها في سره وابتسم.

في هذه اللحظة وضع النادل الكأس أمامه على الطاولة فتناول الكأس ورفعها في الهواء وهو يبتسم لهما في إشارة إلى أنه يشرب نخبهما فما كان منهما إلا أن انفجرتا ضاحكتين وبادلاه الأنخاب فحدث نفسه قائلاً :

" يبدو أنها سهلة المنال "

وهنا فكر بأن يقوم بخطوة أكثر جرأة وقرر أن يذهب إليهما ويتحدث معهما ولكن وقبل أن ينهض من مقعده كانت السمراء قد نهضت من مقعدها وأقبلت نحوه فأخذ قلبه يخفق بشدة فهو لم يتوقع أن تتسارع الأمور بهذا الشكل وأن تكون الفتاة بهذه الجرأة ، عند اقترابها منه كانت رائحة عطرها الباريسي تسبقها متسللة عبر أنفه لتتوغل في عقله وتخدر كل أحاسيسه وتلجمه عن الكلام.
أخذ ينظر إليها مذهولاً عندما انحنت لتهمس في أذنه بالعربية قائلة :

- إنها المرة الأولى التي أعرف فيها أن الرجال يرتدون ملابس داخلية حمراء.

حدق فيها ببلاهة قائلاً :

- ماذا ؟؟

فابتسمت هي وهمست في أذنه مرة أخرى وهي تشير بيدها إشارة خاصة قائلة :

- أغلق زمام البنطلون.
عبدالله أحمد الشعيبي

ليست هناك تعليقات: