السبت، ٥ ذو الحجة ١٤٢٨ هـ

المرء لا يذبح أصدقاءه ( إهداء لخروف العيد)


أنا لا أحبذ ذبح الأصدقاء وإن كان بعضهم يستحق ذلك، ولكن أن تقول لي أني لا أستطيع ذبح خروف العيد لمجرد أنه قضى يومين أو ثلاثة في بيتي قبل يوم العيد فهذا هو العته بعينه..

ثم من قال أصلاً أن الخرفان يدخلون في قائمة من أطلق عليهم أصدقائي ؟؟

كان هذا ردي على زميلي في العمل الذي رسم على وجهه أقسى علامات الذهول والرعب عندما عرف أني كنت في بلدي أذبح خروفاً كأضحية في العيد فما كان منه إلا أن صرخ في وجهي في رعب حقيقي:

- المرء لا يذبح أصدقاءه.

ولكن والحق يقال أنه لم يرمني بتهمة الخيانة والوحشية جزافاً فقد جلس حوالي الساعة كاملة يستفسر مني عما أعنيه بذبح الأضحية ومن أين آخذ الأضحية ورمزيتها وغير ذلك ولكنه لم يحتمل عندما قلت له أننا غالباً ما نشتري الخروف قبل العيد بأيام ونعتني به حتى يوم العيد لنذبحه، ويبدو أن صديقي عندما سمع أننا نعتني بالخروف لكي نذبحه لم يتمالك أعصابه وعادت إليه عقدة الشرق الإرهابي فما كان منه إلا أن صرخ في وجهي بذلك الشكل.

وبعد أن سمع ردي الوارد أعلاه أخذته العزة بالحيوانية وبدأ يشرح لي دلالات مسألة شراء الحيوان وخلفياتها القانونية والإنسانية وأن مجرد شراء حيوان حي يعني أني وافقت على وثيقة غير مكتوبة يحصل بموجبها الخروف على حق اللجوء الحيواني وعدم تسليمه لأي جزار ليُعمل فيه سكينه، وبمجرد قبولي بأن يحيا الخروف ولو لساعة تحت سقف منزلي فذلك بحد ذاته يعتبر معاهدة صداقة وعدم اعتداء لا يجوز لأي من الطرفين خرقها وبما أن الخروف مخلوق لا حيلة له فإن الوحيد الملام في حال خرق هذه الاتفاقية إنما هو العبد الفقير إلى ربه لأنه اغتر بقوته وجبروته وعبر عن مكنونات نفسه الهمجية بذبح ذلك الخروف.
ثم انتقل بعد ذلك – صديقي وليس الخروف- إلى الجانب الإنساني من المسألة وبدأ يسألني كيف استطعت أن تسلم الخروف إلى الجزار بعد أن نظرت في عينيه ولمحت البراءة فيهما ؟؟ ألم يعذبك ضميرك وأنت تسلمه إلى الجزار ؟؟ ألم تشعر بأي شفقة عليه وأنت تراه يصارع للحصول على النفس الأخير بينما يعاجله الجزار ولا يُمَّكِنهُ حتى من ذلك.

من باب إحقاق الحق كان وقع كلماته قاسياً علي وأعادني إلى سنوات الطفولة فما كان مني إلا أن قلت بعفوية أُحسدُ عليها:

- نعم أعرف ما تعنيه ولا زلت أذكر في طفولتي عندما اشترى أبي خروف العيد وترك لي مهمة رعايته لمدة عشرة أيام تقريباً ولكن يوم العيد لم أستطع تمالك نفسي من رؤيته وهو يُذبح فبقيت أنتحب حزناً عليه حتى حان وقت الغداء لأتذوق لحمه من بين الدموع الفارة من عيني والحقيقة أنه كان من ألذ ما أكلت من لحم في حياتي لأن الخروف كان محلياً لا مستورداً.

جن جنون صديقي بعدما رويت له هذه القصة فهو لم يتوقع أن أكون بهذه الهمجية وربما توقع الأحمق أني كنت سأقول له أني امتنعت عن تناول اللحوم منذ ذلك اليوم.

ولما كانت المثابرة هي من صفات الغربي الأصيل فالرجل لم يحاول إنهاء المحادثة عند هذا الحد بل بدأ يحاول توضيح ما استصعب علي فهمه وإقناعي بوجهة نظرة فقال لي :

- أنت تعرف كلبي العزيز جاك تخيل لو أني قمت بذبحه كيف ستنظر لي؟؟

تحاملت على نفسي كي لا أتفوه بحماقة من نوع " ومن قال لك أني أهتم بك وبكلبك" فضغطت على أعصابي ورسمت على وجهي ابتسامة حاولت قدر استطاعتي أن أجعلها تبدو طبيعية وقلت له في برود:

- عزيزي عدم ذبحك للكلب لا يُعد دليلاً على تحضرك بقدر ما يشير إلى كونك لست صينياً فلو كنت صينياً لما ترددت في ذبحه بل والتمثيل به إذا ما قرصك الجوع.

على الرغم من اندهاشه لما قلته له إلا أنه ضحك وهذا شجعني بدوري كي أكمل حديثي بنفس البرود ونفس الابتسامة قائلاً له:

- ربما كنت أنا قاتلاً أو مشاركاً بالقتل وقت وقوع الجريمة بسبب مشاهدتي لعملية الذبح وعدم اعتراضي عليها ولكني كنت سأحترم وجهة نظرك لو كنت نباتياً ولكني لم أرَ مخلوقاً مفترساً ويتناول كميات هائلة من اللحوم كل ليلة مثلك ؟؟ صحيح أني كنت أقتل خروفاً واحداً في العام وربما دجاجة كل أسبوع إذا سمحت الظروف ولكن بعد أن عرفت حضارتكم ومدنيتكم بدأت أساهم في قتل المزيد كل يوم وبينما أكتفي أنا بنوعين أو ثلاثة من اللحوم كالدجاج والغنم والأبقار تطرقت أنت إلى أنواع لم أكن أحلم في يوم من الأيام أن هناك من يأكلها كالنعام والكانجاورو بل وحتى الخيول لم تسلم من جرائمك ناهيك عن الحيوان المقزز المدعو خنزير، لذلك دعنا نقولها بالصيغة التالية : أنا شهدت الجريمة ورأيتها رأي العين بينما أنت تتصرف كزعيم مافيا متحضر لا يتحمل منظر الدم ولكنه لا يتورع عن مكافأة القتلة وأكل لحم ضحاياه طالما لم يرهم وهم يُذبحون.

كان جسمه يرتج من الضحك وكأن اكتشافه بأنه متوحش يروق له ولكنه عاد يقول لي:

- ولكني لا أقتل حيواناً رأيته رأي العين وتركته يعيش تحت سقفي لبعض الوقت؟؟

" اللهم ألهمني الصبر" قلتها لنفسي ثم وجهت حديثي له قائلاً:

- وهذا جانب آخر من جوانب الشر المتمكنة منك فبينما أنا أشفق على الحيوان من أن يعيش في بيئة غير بيئته ولا أقتنيه إلا لأني سأستفيد من لحمه في أسرع وقت ، لا تتورع أنت عن اقتناء شتى أنواع الحيوانات باسم الاعتناء بها بينما في الحقيقة أنت تشتريها لتشبع فيك عقدة حب التملك من ناحية ومن ناحية أخرى تشبع ميلك الغريزي للسيطرة ولمآرب أخرى أيضاً ولأضرب لك مثلاً بكلبك المحبوب جاك ، أنت لم تقم باقتنائه لكي ترعاه ولكنك اقتنيته حتى يؤنس وحدتك عندما تكون وحيداً وأيضاً لأن اقتناء كلب في هذه البلاد غريبة الأطوار يعتبر من أقصر الطرق إلى قلوب الفتيات، وأنا لن أجحف بحقك وأقول أنك لا تعتني بكلبك جيداً فالحقيقة أنك تطعمه جيداً وتعتني به ولا تتوانى عن الذهاب به إلى الطبيب إذا ما أحس بوعكة ولكنك في المقابل سلبت منه الكثير سلبته حريته فيجب عليه أن يعيش حياته بين جدران أربعة وإذا أراد أن يقضي حاجته فعليه أن يحترم انشغالك أو عدم تواجدك ولن يقضي حاجته إلا إذا أتيت أنت وخرجت معه ليقضي حاجته بين أحضان الطبيعة، بينما أنت تستطيع دخول الحمام في أي وقت تشعر فيه بالحاجة لذلك، ولم تكتف بذلك بل أنك حتى سلبته ذكورته بأن أجريت له عملية إخصاء لأنك لست على استعداد لأن تتحمل تربية المزيد من الكلاب إذا ما قرر كلبك ذات يوم أن يقفز على كلبة الجيران لينجب منها فكان الطريق الأسهل لك هو أن تحرمه من ذكورته واستطعت على الرغم من ذلك أن تنام قرير العين فبالله عليك أينا أكثر توحشاً وسادية من الآخر.

بالطبع لم يحر صديقي جواباً بينما كانت أمارات النصر ترتسم على وجهي ولكني لم أستمتع بهذا النصر لأكثر من نصف دقيقة لأن النادل أتى وبيده فاتورة الحساب.


عبدالله الشعيبي