الجمعة، ١٨ شعبان ١٤٢٨ هـ

حوار

شعر بالحرج عندما بدأ الشخص الجالس إلى جواره بالتحدث إليه، أراد أن يعلمه بالحقيقة، ولكنه أحجم عن ذلك عندما لاحظ أن محدثه مستمر في حديثه وكأنه يتحدث إلى فراغ، فأدرك أن محدثه ثرثار من ذلك النوع الذي لا يصغي للآخرين، ولا يترك لأحد فرصة للحديث؛ لذلك ركز نظره على وجه محدثه، مظهرا اهتمامه بما يقول، أخذ يتأمل شفاه محدثه وهي تتحرك انفراجا وانقباضا، بروزا وانبساطا، صانعة لكلمات لا يدري ما هي، أخذ يهز رأسه بين الفينة والأخرى حتى يظهر لمحدثه أنه مهتم لحديثه. بدأ يستمتع بالدور الذي يقوم به، وبرؤية وجه محدثه وهو يحتقن من فرط انفعاله في الحديث؛ حتى بدا كأنه لا يجد فرصة لاستنشاق بعض الهواء، كان يشعر باللذة لرؤية تلك الشفاه وهي تتحرك بسرعة كأنها في سباق، كان يشعر بالسعادة كطفل حصل على لعبة جديدة، ما كان يضايقه فعلا هو ذلك الرذاذ المتطاير من فم محدثه، ولكنه تجاهل ذلك حتى لا يفوت المتعة التي يشعر بها.
مر الوقت سريعا بشكل لم يكن يتوقعه ولم يشعر به إلا عندما أحس بيد تربت على كتفه، فالتفت ليجد أخاه يشير بأنه قد حان وقت الذهاب، ثم توجه أخوه بالحديث إلى الشخص الذي كان يتحدث إليه قائلا: - أشكرك يا سيدي على جلوسك مع أخي، يبدو أنه قد استمتع بجلوسك معه، إنها المرة الأولى التي أجده فيها سعيدا بجلوسه مع شخص ما، إنه يجد صعوبة في التأقلم مع الآخرين لأنه يخجل من إعاقته.
رد عليه الرجل متسائلا: -إعاقة؟!!
لم يسمع الأخ تساؤل الرجل، ولكنه أردف قائلا:
- ولكني أعجب كيف استطعت التفاهم معه؟ هل لديك قريب مصاب بالصمم؟ - فغر الرجل فاه مدهوشا والتفت إلى جليسه ليرى ابتسامة ساخرة تتراقص على شفتيه.
عبدالله الشعيبي
2002

ليست هناك تعليقات: