الجمعة، ١٨ شعبان ١٤٢٨ هـ

ثورة

- دعاني أحد اصدقائي الى بيته كي نتناول القات معا فلبيت دعوته وذهبت الى بيته المتواضع جدا والذي يعتلي سطحه صحن لاقط في تناقض واضح بين شكل البيت وحداثة الصحن ثم أدخلني صديقي الى المنزل وجلسنا في احدى الغرف والتي كان اثاثها عتيقاً ورثا عدا جهاز التلفاز وجهاز استقبال القنوات الفضائية واللذين كانا حديثين بشكل لا يتناسب بتاتا مع بقية الأثاث فتجاهلت الأمر وجلست أتناول القات مع صديقي , ومن سوء حظنا أن جهاز استقبال القنوات الفضائية كان معطلا فأخذنا نشاهد القناة المحلية اضطرارا وإذ نحن جالسان دخل علينا طفل عمره لا يتجاوز السنوات السبع ولكن هيئته كانت تحمل تناقضات غريبة فجسده الهزيل والنحيل وقامته القصيره تجعلك تظن أن عمره لا يتجاوز السنوات الثلاث أما وجهه الشاحب ونظراته الزائغه توحي اليك بأنك تنظر الى كهل حتى أنك تصاب بنوع من الخداع البصري الذي يجعلك تظن أنك ترى بعض التجاعيد محفورة على ذلك الطفل فالتفت الى صديقي أسأله عن الطفل فأخبرني مزهواً أنه ابنه ثم طلب من الطفل أن يصافحني فجاء الولد الي ومد يده ببلاهة وهو لا ينظر الي فمددت يدي اليه وصافحته ثم انصرف من أمامي وذهب للجلوس قبالة التلفاز يشاهد ما يعرض على شاشته بينما كنت أحاول أن أصرف نظري عن ذلك الطفل الكهل وبدأت أشغل نفسي بالحديث مع صديقي حول مواضيع عده حتى تناسيت أمر الطفل تماما وتشعب الحديث بيننا مع مرور الوقت ثم بدأ الحديث يفتر تدريجيا بيننا كلما ازداد تأثير القات حتى صمتنا عن الحديث تماما عندما وصل تأثير القات ذروته وبدأت أشعر بالملل فأخذت أتابع التلفاز صرفا للملل .
كان التلفاز يعرض برنامجا عن منجزات الثوره وتأثيرها على نواحي الحياة المختلفة والتطور الذي شهدته البلاد منذ قيام الثورة في كافة المجالات وكنت أتابع الصور التي تعرض على الشاشة بغير اهتمام حقيقي فقد صرت أحفظ تلك الصور والمشاهد عن ظهر قلب لكثرة ما تم تعذيبنا بعرضها ليلا ونهارا بمناسبة وبغير مناسبة , بدأت أشعر بالضيق كأني سجين يتم تعذيبه في احد المعسكرات النازية ذات السمعة السيئة وأخذت الثواني تمر علي كأنها دهور حتى وصل البرنامج الى الحديث عن النهضة التعليمية التي أحدثتها الثورة وأخذ التلفاز يعرض صوراً لأطفال يدرسون في احدى المدارس االخاصة ويلعبون في أفنيتها فتذكرت ابن صديقي الذي كنت قد نسيته والتفت اليه فوجدته يتابع مايعرض على التلفاز في بلاهة فأخذت أنقل بصري بين الأطفال الذين يظهرون على شاشة التلفاز وبين ذلك الطفل الجالس أمامي فكنت أنظر الى التلفاز فأرى أطفالا ينعمون بصحة وافرة تبدوا واضحة في بريق عيونهم ونضارة وجوههم ثم أنظر الى ابن صديقي فأرى النقيض من ذلك تماما , كنت أرى الأطفال في التلفاز يمرحون ويتقافزون هنا وهناك في نشاط واضح وأنظر الى ابن صديقي فأرى وجها كئيباً يتثاءب كسلحفاة بلغت من العمر عتيا , كنت أرى في التلفاز أطفالا بملابس نظيفة وأنيقة وأنظر الى ابن صديقي فأرى طفلا بملابس رثه ومتسخة قد أكل الدهرعليها وشرب وتكاد تتمزق من فرط ضيقها وكأن ذلك الطفل لم يغير ملابسه منذ أن كان رضيعاً ,كانت تلك المقارنه تثير سخرية مريره وكأننا نشاهد بشراً من عالم أخر , ويبدوا أن صديقي قد أدرك ذلك وبدأ يشعر بالضيق عندما لا حظ تنقل نظراتي بين طفله وبين التلفاز فما كان منه الا أن قام باطفاء التلفاز وهو يسب ويلعن التلفاز لعرضه مثل هذه البرامج المملة والمكررة فشعرت بالحرج الشديد وأخذت أتظاهر بعدم الاهتمام بينما أخذ ذلك الطفل يلعب بأصابعه لعبة غريبه ثم التفت فجأة الى والده وهو يسأله :
أبي ما هي الثورة ؟ هل هي زوجة الثور ؟
عبدالله الشعيبي
2002

ليست هناك تعليقات: