الثلاثاء، ٢٩ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

تكريش*

ظل يحدق في كيس البلاستيك الشفاف الذي يقطر منه الدم برعب غير مصدق بأن علاجه كما يقولون يكمن في الرعب المستكن في ذلك الكيس..
كانت الجدة تجلس بجوار سريره وهي تحمل الكيس بيد وباليد الأخرى تحاول فك رباط الكيس المحكم، بينما الأم جالسة في منتصف الغرفة تحضنه بكلتا يديها ظناً منها أنها تشعره بالأمان بينما هو كان يشعر بأنه أضحية تم تكبيلها بانتظار الجزار ليعمل سكينة في عنقها، وأمام الباب كان الخال واقفاً بثوبه الملطخ بالدماء وهو يبتسم ابتسامة رضا عن النفس لأنه قام بمهمته على أكمل وجه.
جسده كان يرتجف من الحُمى والخوف حاول أن يبتلع ريقه ليرطب حلقه الجاف ولكن فمه كان ناشفاً كقاع بئر مهجورة، استطاعت الجدة أخيراً أن تفك رباط الكيس وتضعه على الأرض ثم تمد يديها إلى داخل الكيس بحذر لتخرج منه جلد النعجة الذي لازالت الدماء الطرية تقطر منه، وبعد أن أخرجته من الكيس قامت بفرشه على السرير بحيث تكون الجهة الداخلية للفرو والتي لا زال الدم عالقاً بها معدة للاستلقاء عليها.
أدار وجهه ليدفنه بصدر أمه ورفع ذراعاه الواهنتان ليتشبث بعنقها ولكنها دفعته برفق وأجلسته على الأرض وبدأت بفك أزرار قميصه حاول أن يضم قميصه بيديه ليعترض على ما تقوم به أمه ولكنه سرعان ما ترك يديه تهويان على الأرض بجانبه إثر دفعة خفيفة من أمه وهكذا جردته من ملابسه قطعة تلو الأخرى حتى أصبح عارياً تماماً، في موقف آخر كان سيعترض على هذا الإجراء المهين وربما كان سيهب واقفاً ويطلق ساقيه للريح ولكن قواه منهكة وبالكاد يميز الأشياء.
تعاونت الأم مع الجدة على حمله ووضعه على السرير وما أن وضعاه حتى انتصب شعر رأسه وصرخت كل خلية في جسمه اشمئزازاً واعتراضاً، كان ملمس جلد النعجة بارداً كالصقيع عندما لامس جسده الساخن، تململ في مرقده فشعر بدم النعجة يلتصق بجسده كالصمغ، تابعت أمه العمل وقامت بلف بقية جلد النعجة حول جسده، وناولتها الجدة حبلاً لتلفه الأم حول جلد النعجة الذي يُغلف الصبي وأنهت عملها بأن ربطت طرفي الحبل ربطاً محكماً ثم سحبت اللحاف لتغطي به الصبي.
كان الصبي يشعر بشيء ما يقرص كل أنملة من جسده ، حاول أن يتنفس ولكن رائحة العفن المتصاعدة كانت خانقة، كان يشعر بالاختناق وبدأت الأشياء تتراءى له كالأشباح،هناك شيء ثقيل يجثم على أجفانه ، أغلق عينيه وشعر بنفسه يسقط في ظلمة لا قرار لها.

التكريش: عادة يمنية قديمة تقضي بلف الطفل المريض بجلد حيوان مذبوح شرط أن يكون طرياً ولا زال دم الحيوان عالقاً به اعتقادا منهم بأن جلد الحيوان يمتص المرض من جسد الطفل، واقتضت العادة أيضاً أن يتم تكريش الصبي بجلد أنثى الحيوان بينما يتم تكريش الفتاة بجلد ذكر الحيوان.

ليست هناك تعليقات: